فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{طسم (1)}.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: اسم من أسماء القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {طسم} قال: الطاء من ذي الطول، والسين من القدوس، والميم من الرحمن.
{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)}.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {لعلك باخع نفسك} قال: لعلك قاتل نفسك {ألا يكونوا مؤمنين}، {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} قال: لو شاء الله أنزل عليهم آية يذلون بها فلا يلوي أحدهم عنقه إلى معصية الله {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث} يقول: ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلا أعرضوا عنه، {فسيأتيهم} يعني يوم القيامة {أنباء} ما استهزأوا به من كتاب الله وفي قوله: {كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم} قال: حسن.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {فظلت أعناقهم لها خاضعين} قال: العنق الجماعة من الناس قال: وهل تعرف العربُ ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الحرث بن هشام وهو يقول ويذكر أبا جهل:
يخبرنا المخبر أن عمرًا ** أمام القوم من عنق مخيل

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {فظلت أعناقهم لها خاضعين} قال: ذليلين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: الخاضع: الذليل.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم} قال: من نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي {كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم} قال: الناس من نبات الأرض. فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: كل شيء في الشعراء من قوله: {عزيز رحيم} فهو ما هلك ممن مضى من الأمم يقول: {عزيز} حين انتقم من أعدائه {رحيم} بالمؤمنين حين أنجاهم مما أهلك به أعداءه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {طسم}:
أظهر حمزةُ نونَ سين قبل الميمِ كأنه ناوِي الوقفِ وإلاَّ فإدغامُ مثلِه واجبٌ. والباقون يُدغمون. وقد تقدَّم إعرابُ الحروفِ المقطعة. وفي مصحفِ عبد الله ط. س. م. مقطوعةً من بعضها. قيل: وهي قراءةُ أبي جعفر، يَعْنُون أنه يقف على كلِّ حرفٍ وَقْفَةً يميز بها كلَّ حرفٍ، وإلاَّ لم يُتَصَوَّرْ أَنْ يُلْفَظُ بها على صورتِها في هذا الرسمِ. وقرأ عيسى وتروى عن نافع بكسر الميم هنا وفي القصص على البناء. وأمال الطاءَ الأخَوان وأبو بكر. وقد تقدَّم ذلك.
قوله: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ}: العامَّةُ على نونِ العظمةِ فيهما. ورُوِي عن أبي عمرٍو بالياء فيهما أي: إنْ يَشَأْ اللهُ يُنَزَّلْ. و{إنْ} أصلُها أَنْ تدخلَ على المشكوكِ أو المحقَّقِ المبهمِ زمانُه، والآيةُ من هذا الثاني.
قوله: {فَظَلَّتْ} عطفٌ على {نُنَزِّلْ} فهو في محلِّ جزمٍ. ويجوز أن يكونَ مستأنفًا غيرَ معطوفٍ على الجزاءِ. ويؤيِّد الأولَ قراءةُ طلحة {فَتَظْلِلْ} بالمضارعِ مفكوكًا.
قوله: {خَاضِعِينَ} فيه وجهان، أحدُهما: أنه خبرٌ عن {أعناقُهم}. واستُشْكِلَ جمعُه جمعَ سلامةٍ لأنه مختصٌّ بالعقلاءِ. وأُجيب عنه بأوجهٍ، أحدُها: أنَّ المرادَ بالأعناق الرؤساءُ، كما قِيل: لهم وجوهٌ وصدورٌ قال:
في مَجْمَعٍ مِنْ نواصِي الخيلِ مَشْهودِ

الثاني: أنه على حذفِ مضافٍ أي: فظلَّ أصحابُ الأعناقِ، ثم حُذِفَ وبقي الخبرُ على ما كان عليه قبل حَذْفِ المُخْبَرِ عنه مراعاةً للمحذوفِ. وقد تقدَّم ذلك قريبًا عند قراءةِ {وَقُمْرًا مُّنِيرًا} [الفرقان: 61]. الثالث: أنه لَمَّا أُضيفَتْ إلى العقلاءِ اكتسَبَ منهم هذا الحكمَ، كما يُكتسب التأنيثُ بالإِضافةِ لمؤنث في قولِه:
كما شَرِقَتْ صَدْرُ القناةِ من الدمِ

الرابع: أنَّ الأعناقَ جمعُ عُنُق من الناس، وهم الجماعةُ، فليس المرادُ الجارحةَ البتة. ومن قولُه:
أنَّ العراقَ وأهلَه ** عُنُقٌ إليك فَهَيْتَ هَيْتا

قلت: وهذا قريبٌ مِنْ معنى الأولِ. إلاَّ أنَّ هذا القائلَ يُطْلِقُ الأعناقَ على جماعةِ الناسِ مطلقًا، رؤساءَ كانوا أو غيرَهم. الخامس: قال الزمخشري: أصلُ الكلامِ: فظلًُّوا لها خاضعين، فَأُقْحِمَتِ الأعناقُ لبيانِ موضع الخضوع، وتُرِكَ الكلامُ على أصله، كقولهم: ذهبَتْ أهلُ اليمامة، فكأن الأهلَ غيرُ مذكور. قلت: وفي التنظير بقولِه: ذهبَتْ أهلُ اليمامةِ نظرٌ؛ لأنَّ أهل ليس مقحمًا البتة؛ لأنه المقصودُ بالحكم وأمَّا التأنيثُ فلاكتسابِه التأنيثَ. السادس: أنها عُوْمِلَتْ معاملةَ العقلاءِ لَمَّا أُسْند إليهم ما يكونُ فِعْلَ العقلاءِ كقوله: {ساجِدِين} و{طائِعِين} في يوسف والسجدة.
والثاني: أنه منصوبٌ على الحالِ من الضميرِ في {أعناقُهم} قاله الكسائي، وضَعَّفه أبو البقاء قال: لأنِّ {خاضعين} يكون جاريًا على غيرِ فاعلِ {ظَلَّتْ} فيَفْتَقِرُ إلى إبرازِ ضميرِ الفاعل، فكان يجبُ أَنْ يكونَ خاضعين هم. قلت: ولم يَجْرِ {خاضعين} في اللفظِ والمعنى إلاَّ على مَنْ هو له، وهو الضمير في {أعناقُهم}، والمسألة التي قالها: هي أَْن يجريَ الوصفُ على غير مَنْ هو له في اللفظِ دونَ المعنى، فكيف يلزمُ ما ألْزَمه به؟ على أنه لو كان كذلك لم يَلْزَمْ ما قاله؛ لأنَّ الكسائيَّ والكوفيين لا يُوْجِبون إبرازَ الضميرِ في هذه المسألةِ إذا أُمِنَ اللَّبْسُ، فهو يَلْتَزِمُ ما ألزمه به، ولو ضَعَّفه بمجيءِ الحالِ من المضاف إليه لكان أقربَ. على أنه لا يَضْعُفُ لأنَّ المضافَ جزءٌ من المضافِ إليه كقولِه: {مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} [الحجر: 47].
{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5)}.
قوله: {إِلاَّ كَانُواْ}: جملةٌ حاليةٌ، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا وما قبلَه في أول الأنبياء.
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)}.
قوله: {كَمْ أَنبَتْنَا}: كم: للتكثيرِ فهي خبريةٌ، وهي منصوبةٌ بما بعدَها على المفعولِ به أي: كثيرًا من الأزواج أنْبتنا. و{مِن كُلِّ زَوْجٍ} تمييزٌ. وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ حالًا ولا معنى له.
قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: ما معنى الجمعِ بين كم وكل؟ ولو قيل: أنبتنا فيها مِنْ كل زوج؟ قلت: قد دَلَّ {كل} على الإِحاطةِ بأزواجِ النباتِ على سبيلِ التفصيلِ، و{كم} على أن هذا المحيطَ متكاثرٌ مُفْرِطٌ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
سورة الشعراء:
بسم الله الرحمن الرحيم.
بسم الله اسم عزيز يرتضي من الزاهد ترك دنياه، ومن العابد مخالفة هواه، ومن القاصد قطع مناه، ولا يرضى من العارف أن يساكن شيئا غير مولاه، إن خرج عن كل مرسوم بالكلية، وانسلخ عن كل معلوم، من غير أن تبقى له منه بقية فلعله يجد شظية، وإن عرج على شيء، ولم يصف من الكدورات- حتى عن يسيرها- وإن دق- فإنه كما في الخبر: المكاتب عبد ما بقي الكتاب المبين ذَكَرْنَا فيما مضى اختلافَ السَّلَفِ في الحروف المُقَطَّعَة؛ فعند قوم: الطاءُ إشارة إلى طهارة عِزِّه وتَقَدُّسِ عُلُوِّه، والسين إشارةٌ ودلالةٌ على سناء جبروته، والميم دلالةٌ على مَجْدِ جلاله في آزله.
ويقال الطاء إِشارة إلى شجرة طوبى، والسين إلى سِدْرَةِ المُنتهى، والميم إلى اسم محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي ارتقى محمدٌ ليلةَ الإسراء عن شهوده شجرةَ طوبى حتى بَلَغَ سدرةَ المنتهى، فلم يُسَاكِنْ شيئًا من المخلوقات في الدنيا والعُقْبى.
ويقال الطاء طَرَبُ أربابِ الوصلة على بساط القرب بوجدان كما الروح، والسين سرورُ العارِفين بما كوشفوا به من بقاء الأحدية باستقلالهم بوجوده والميم إشارة إلى موافقتهم لله بِتَرْكِ التخيُّر على الله، وحُسْنِ الرضا باختيار الحق لهم.
ويقال الطاء إشارةٌ إلى طيبِ قلوب الفقراء عند فقد الأسباب لكمال العَيْشِ بمعرفة وجود الرزَّاق بَدَلَ طيب قلوب العوام بوجود الأرْفاق والأرزاق.
ويقال الطاء إشارةٌ إلى طهارة أسرار أهل التوحيد، والسين إشارة إلى سلامة قلوبهم عن مساكنة كلِّ مخلوق، والميم إشارة إلى مِنَّةِ الحقِّ عليهم بذلك.
{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)} أي لِحِرْصِكَ على إيمانهم ولإشفاقِكَ من امتناعهم عن الإيمان فأنت قريبٌ مِنْ أنْ تقتلَ نَفْسَكَ من الأسفِ على تَرْكِهم الإيمان.
فلا عليكَ- يا محمد- فإنه لا تبديلَ لِحُكْمِنَا؛ فَمَنْ حَكَمْنَا له بالشقاوة لا يُؤْمِن.
ليس عليك إلاَّ البلاغ؛ فإن آمنوا فبها، وإلاَّ فكُلُّهُمْ سَيَرَوْنَ يومَ الدِّين ما يستحقون.
{إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)}.
أخبر عن قدرته على تحصيل مرادِه من عباده، فهو قادرٌ على أن يُؤْمِنوا كَرْهًا؛ لأن التقاصُرَ عن تحصيل على تحصيل المراد يوجِبُ النقصَ والقصورَ في الألوهية.
{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5)} أي ما نُجَدِّد لهم شَرْعاُ، وما نرسل لهم رسولًا إلا أعرضوا عن تأمل برهانه، وقابلوه بالتكذيب. فلو أنهم أنعموا النظرَ في آياتِ الرسل لا تضح لهم صِدْقُهم، ولكن المقسوم لهم من الخذلان في سابق الحكم يمنعهم من الإيمان والتصديق. فقد كَذَّبوا، وعلى تكذيبهم أصَرُّوا، فسوف تأتيهم عاقبةُ أعمالِهم بالعقوبة الشديدة، فيذوقون وبالَ شِرْكهم.
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)}.
فنونُ ما ينبت في الأرض وقتَ الربيعِ لا يأتي عليه الحَصْرُ، ثم اختصاصُ كلِّ شيءٍ منها بلون وطعمٍ ورائحة مخصوصة، وكلِّ شكلٌ وهيئةٌ ونَوْرٌ مخصوص، وورق مخصوص إلى ما تَلْطُفُ عنه العبارة، وتَدِق فيه الإشارة. وفي ذلك آياتٌ لِمَن استبصر، ونَظَرَ وفكَّرَ.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ}: القاهرُ الذي لا يُقْهَر، القادر الذي لا يُقْدَر، المنيعُ الذي لا يُجْبَر. {الرَّحيِمُ}: المحسنُ لعباده، المريدُ لسعادة أوليائه. اهـ.

.تفسير الآيات (10- 15):

قوله تعالى {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما اقتضى وصف العزة الإهلاك، ووصف الرحمة الإمهال، وكان الأول مقدمًا، وكانت عادتهم تقديم ما هم به أهم، وهو لهم أعنى، خيفت غائلته، فأتبع ذلك أخبار هذه الأمم، دلالة على الوصفين معًا ترغيبًا وترهيبًا، ودلالة على أن الرحمة سبقت الغضب، وإن قدم الوصف اللائق به، فلا يعذب إلا بعد البيان مع طول الإمهال، وأخلى قصة أبيهم إبراهيم عليه السلام من ذكر الإهلاك إشارة إلى البشارة بالرفق ببنيه العرب في الإمهال كما رفق بهم في الإنزال والإرسال، ولما كان مع ذلك في هذه القصة تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يقاسيه من الأذى والتكذيب، وكانت التسلية بموسى وإبراهيم عليهما السلام أتم، لما لهما من القرب، والمشاركة في الهجرة، والقصد إلى الأرض المقدسة، وكان قد اختص موسى عليه السلام بالكتاب الذي ما بعد القرآن مثله والآيات التي ما أتى بمثلها أجد قبله، وإقرار عينه بهداية قومه، وحفظهم بعده بالكتاب، وسياسة الأنبياء المجددين لشريعته، وعدم استئصالهم بالعذاب والانتقام بأيديهم من جميع أعدائهم، وفتح بلاد الكفرة على أيديهم بعده صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك مما شابهوا به هذه الأمة مع مجاورتهم للعرب حتى في دار الهجرة، وموطن النصرة، ليكون في إقرارهم على ما يسمعون من أخبارهم أعظم معجزة، وأتم دلالة، قدمهما مقدمًا لموسى- عليهما السلام، والتحية والإكرام- فإن كان القصد تسكين ما أورثه آخر تلك من خوف الملازمة بالعذاب نظرًا إلى وصف العزة، فالتقدير: اذكر أثر رحمتنا بطول إمهالنا لقومك- وهم على أشد ما يكون من الكفر والضلال في أيام الجاهلية- برحمتنا الشاملة بإرسالك إليهم وأنت أشرف الرسل، وإنزال هذا الكتاب الذي هو أعظم الكتب {هو} اذكر {إذ} وعلى تقدير التسلية يكون العطف على تلك لأن المراد بها التنبيه، فالتقدير: خذ آيات الكتاب واذكر إذ {نادى ربك} أي المحسن إليك بكل ما يمكن الإحسان به في هذه الدار، وعلى تقدير الترهيب يكون التقدير: أو لم يروا إذ نادى ربك، وعدّوا رائين لذلك لأن اليهود في بلادهم وفي حد القرب منهم، فإما أن يكونوا عالمين بالقصة بما سمعوه منهم، أو متهيئين لذلك لإمكانهم من سؤالهم؛ ثم ذكر المنادى فقال: {موسى} وأتبعه ما كان له النداء فقال مفسرًا لأن النداء في معنى القول: {أن أئت القوم} أي الذين فيهم قوة وأيّ قوة {الظالمين} أي بوضعهم قوتهم على النظر الصحيح المؤدي للإيمان في غير موضعها.